الجمعة، 23 يناير 2009

أزمة دارفور: بداياتها وتطوراتها


مقدمة:
فجأة تصاعدت الأحداث في دارفور، وأضحت الشغل الشاغل للمجتمع الدولي والهم الأول الذي يؤرق الضمير العالمي بفعل التغطية الإعلامية الواسعة التي حظيت بها من قبل الوسائل المسموعة والمقروءة والمرئية بمختلف توجهاتها ومنطلقاتها. فلقد صارت أحداث دارفور الخبر الرئيسي الذي يتصدر النشرات الإخبارية، والمانشيت الأبرز لكبريات الصحف العالمية. ولم يكن في مخيلة السودانيين عامة ولا حتى أهالي دارفور على وجه الخصوص أن يتحرك المجتمع الدولي للتعاطي مع هذه الأحداث دون غيرها بهذه الهمة التي تثير الحيرة والتوجسات حول مآلاتها ومستقبل البلاد. فقد جرى نقاش مستفيض حول أحداث دارفور في قمة الإتحاد الإفريقي الثالثة التي انعقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في 6 حزيران/ يونيو2004م، أمكن التوصل فيها إلى سلسلة تفاهمات لحلحلتها في إطارها الإقليمي[1]. وأعقب ذلك زيارتان تاريخيتان لوزير الخارجية الأمريكي كولن باول والأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في تموز/ يوليو2004م، زارا فيها دارفور بشكل منفصل، وذلك بأنفسهم، ومن ثم أجريا مشاورات مع الحكومة السودانية لاحتواء الأحداث. ثم أعقب ذلك زيارات متعددة للغرض نفسه قام بها عدد من الشخصيات والوفود الأجنبية التي تقاطرت على السودان. وما لبث أن أصدر مجلس الأمن الدولي في 30تموز/ يوليو من هذا العام القرار1564 في 18 أيلول/ سبتمبر بالاستناد إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة[2].
وقداعتبر تدخل مجلس الأمن الدولي في أحداث دارفور تغول واختطاف للقضية من نطاقها الإقليمي، إذا أنها لا تزال قيد النظر في أورقة الإتحاد الأفريقي، ومحل اهتمام الجامعة العربية والزعمات الإقليمية أفريقياً وعربياً[3] في إطار المساعي الحميدة[4]. ويلاحظ أن تهافت وسائل الإعلام المختلفة لتقديم هذه الأحداث اكتنفته جملة من المغالطات وتهويل الأحداث. وحتى الإعلام العربي لم ينج من هذا الأمر في كثير من الأحيان. وقد ألقت هذه المغالطات والتهويلات بظلال من التناقض على مواقف الفاعلين الرئيسيين في الأحداث؛ أي الحكومة والحركات المتمردة المناوئة لها، ثم الأطراف الفاعلة الأخرى على المستوى الدولي من المعنيين بهذه الأحداث في ذلك الإقليم. ففي حين يصر فريق عريض على وجود إبادة جماعية ((GENOCIDE)، يرى فريق أخر أن الأحداث ماهي إلا نزاع محلي محدود تسببت فيه بعض العناصر المنفلتة[5].وكذلك في الإشارات الخاطئة التي جرى تضمينها في ما ينطوي عليه اصطلاح (( الجنجويد)) الذي صور خطأً وروج على أنه يشير لى مجموعة من المقاتلين المنحدرين من أصول عربية[6]، وتتجلى أيضاً المغالطات عندما يأتي الحديث عن الإحصاءات المرتبطة بهذه الأحدث.فعلى سبيل المثال تشير بعض الإحصائيات المعلنة من قبل العديد من المنظمات الدولية إلى أن عدد الضحايا بلغ 50ألف قتيل، في حين تصر الحكومة على أن العدد الكلي لم يتجاوز 5آلاف قتيل على أسوأ التقديرات. وكذلك تتجلى المغالطات من إدانة الحكومة السودانية واتهامها بقتل المدنيين وتهجيرهم واغتصابهم وانتهاك حقوق الإنسان.
ومن المهم التأكيد على أن الاختزالات المخلة لطبيعة أحداث دارفور من قبل جميع الأطراف دون استثناء أيّ منها، والتي صورت الأحداث الجارية على أنها صراع إثني بين القبائل العربية والقبائل الأفريقة من شأنه أن يعمقها ويجعل حلها عصيا مثلما كانت عليه الحال أثناء الحرب في جنوب السودان التي استمرت لأكثر من عقدين حتى أمكن التوصل إلى إتفاقية نيفاشا26 أيار/ مايو2004م، والتي روجتها الجهات المستفيدة من إطالتها وتعميقها، فقدمتها للرأي العام العالمي على أنها صراع بين الشمال العربي المسلم وبين الجنوب الأفريقي المسيحي.
أما إذا جاز لنا استنباط توصيف إجمالي كمدخل أولي لأحداث دارفور في أصلها الحقيقي، فيمكن أن نعتبرها قضية تنمية في أبعادها المختلفة( سياسية، اقتصادية واجتماعية)، شأنها في ذلك شأن كل المشكلات والأزمات القائمة وحتى الاحتقانات الكامنة المرشحة للانفجار ليس في السودان وحده ولكن في معظم دول العالم الثالث التي لم تنجح في النهوض ببرامج تنموية فاعلة.ولذلك نجد أن من الأوفق عند بحث الأسباب الحقيقة التي تقف من وراء أحداث دارفور أن نذهب في هذا الأتجاه، مع التسليم بضرورة الاهتمام بالعوامل والأسباب الأخرى المتصلة بانفجار هذه الأحداث، انطلاقاً من أن تفسير الظواهر الأساسية لابد أن يستند إلى استقصاء العديد من العوامل والمسببات.
إن الأحداث التي شهدتها دارفور والتداعيات التي استتبعتها داخلياً وخارجياً تجعل من الممكن وصف الحالة العامة والأوضاع السائدة بالأزمة، وذلك بالرجوع إلى تعريف الأزمة والذي يحدد كنهها على أنها حالة يمكن أن توصف بالاقتراب من خروج الأمور عن نطاق التحكم والسيطرة.
أصل الأزمة:
من المهم ـ ونحن بصدد التعرف على أصل أزمة دارفور ومسبباتهاـ الإشارة إلى أن الصراعات والنزاعات في إقليم دارفور ليست طارئاً جديدا، فهي ظاهرة تكاد تكون ملازمة لتاريخ هذا الإقليم منذ القدم. إلا أن الصراع في هذه المرة ارتقى إلى مستوى الأزمة لأسباب سنحاول استجلاءها من خلال تناولنا لمجموعة من العوامل المختلفة والمتداخلة في الوقت ذاته، والتي تسهم بطرق مختلفة وبدرجات متفاوتة في خلق البيئة المتوترة الصالحة لنشوء الصراعات والنزاعات وتسمح بتفاقمها إلى أن خرجت المشكلة عن نظاق السيطرة كما هو الحال الآن. والعوامل التي سنتناولها هي عوامل جغرافية وبشرية، وعوامل طبيعية ومناخية، وعوامل أمنية، وعوامل سياسية, وأخيراً عوامل خارجية.

أولاّ: العوامل الجغرافية والبشرية:
من المسلم به أن الأوضاع السياسية تتأثر إلىحد ما وتتشكل وفقاً للظروف والعوامل الجغرافية السائدة في محيط المنطقة، وهذا باب كبير وواسع للبحث في حقل الجيوبوليتيك. ونرى أن جزءاً من مكونات الصراع في إقليم دارفور يرتبط بجغرافية المنطقة. فنجد أن منطقة دارفور تقع في غرب السودان، وتمتد في مساحة واسعة تماثل مساحة فرنسا، إذ تبلغ مساحة دارفور 549 ألف كيلو متر مربع. وهذه المساحة تجعل من العسير إحكام قبضة السلطة المركزية على أنحاء المنطقة كما هو مطلوب. وقد تم التواصل إلى صيغة النظام الفدرالي كأساس لحكم السودان في عام 1991م بموجب المرسوم الدستوري الرابع، وفي العام 1994م، ثم صدر المرسوم الدستوري العاشر، وعلى ذلك تم تقسيم السودان إلى 26ولاية تضم عدداًَ من المحافظات والمحليات التي تعد أصغر الوحدات الإدارية في هذا النظام[7]. تنقسم دارفور إلى ثلاث ولايات وهي: شمال دارفور وجنوب دارفور وغرب دارفور، تقطنها مجموعة من القبائل التي يربو عددها على المائة قبيلة، تنقسم إلى قبائل ذات أصول عربية وأخرى ذات أصول أفريقية. ومن أبرز قبائل ولايات دارفور: الفور، الزغاوة، الهلبة، المسيرية، المساليت، المعاليا، الرزيقات، التعاشية، الكبابيش، الداجو، التنجر، أولاد راشد، القمر، الميما، العريقات، الفلاتة، الميدوب، التلس.. الخ. يضاف إلى ذلك الوجود المحدود نسبياً لقبائل أخرى موجودة أساساً في مناطق أخرى من السودان قدم بعضاً من أفرادها لمزاولة التجارة أوالأعمال الأخرى. وتعتبر حرفتا الزراعة والرعي المصدرين الأساسيين الذين تدور حولهما النشاطات الاقتصادية لمعظم السكان.
ونجد أن اتساع مساحة الإقليم وموقعه الطرفي أديا إلى أن تكون دارفور متاخمة لثلاث دول هي: ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى. والحدود مع هذه الدول منبسطة ومفتوحة، ولاتوجد أي موانع طبيعية تعيق أو تقيد انسياب حركة الناس من وإلى دارفور. وعلىأساس هذه الحدود المنبسطة والمفتوحة يمكن تفسير ظاهرة وجود القبائل المشتركة، وهي تلك التي يوجد جزء منها داخل منطقة دارفور وجزء آخر في تلك الدول المتاخمة لهذا الإقليم. ومن المهم التنبيه إلى أن القبائل الدارفورية تدين بالإسلام بنسبة 100بالمائة، وقد كان ذلك سبباً كافياً للتعايش والتفاعل الإيجابي بين هذا الكم الهائل من القبائل المتباينة من الناحية الثقافية ومن ناحية الأصول العرقية ومن ناحية النشاطات الاقتصادية. فقد كان للإسلام دور مقدر في تحقيق سمة التعايش المشترك التي تعمقت بفعل حركة اختلاط الأعراق عن طريق التزاوج والمصاهرة. ونتيجة لذلك يمكن القول بأن مسألة الاعتزاز بالأعراق أو الحساسية تجاه الآخر في المنطقة تكاد تكون ضئيلة أو في حدها الأدنى، على عكس ماهو سائد في المناطق الأخرى التي يغلب عليها طابع البداوة. وعلى الرغم من ذلك فإن جغرافية إقليم دارفور من حيث ضخامة واتساع المساحة، ومن ناحية انفتاح الإقليم على حدود ثلاث دول،ومن حيث الطبيعة المتداخلة لأنماط النشاطات البشرية السائدة على امتداد الإقليم ( الزراعة والرعي)، نجدها قد تسببت في تهيئة أجواء سياسية تتسم بعدم الاستقرار واستتباب النظام ورسوخه في هذه المنطقة منذ قديم الزمان[8].

ثانياً: العوامل المناخية والطبيعية:
يقع إقليم دارفور بين خطي طول22 و 27درجة شرقاً وخطي عرض 10و16درجة شمالاً[9].ويقع جزء من هذا الإقليم في نطاق السافنا الغنية، وجزء في نطاق السافنا الفقيرة، وجزء آخر في نطاق المناخ الجاف. وقد تعمقت حالة عدم استقرار دارفور بتضافر العوامل الجغرافية التي أشرنا إليها في ما سبق بالعوامل الطبيعية والمناخية التي سوف يأتي الحديث عنها. لقد كان إقليم دارفور عرضة لموجات للجفاف والتصحر المتعاقبة التي ضربت أنحاء واسعة من القارة الأفريقية. ونتج عن تلك الموجات اختلالات عميقة ألقت بظلالها على البيئة المحلية، فنجد أن الرعاة قد اضطروا تحت وطأة موجات الجفاف والتصحر إلى الترحال بعيداً عن مناطقهم والمناطق الأخرى التي كانوا يرتادونها في الماضي إلى مناطق جديدة بحثاً عن الكلأ والماء. وأدى بهم الترحال إلى دخول حدود القبائل الأخرى التي تزاول الزراعة، فترتب على ذلك وقوع العديد من الاحتكاكات التي ربما تطورت إلى عداوات ومعارك طاحنة أزهقت فيها الأرواح وأريقت فيها الدماء في بعض الأحيان. وكان من أبرز هذه النزاعات:
ـ النزاع بين بني هلبة والرزيقات، عام 1982م. في ولاية جنوب دارفور.
ـ النزاع بين البرتي والزيادية ضد الكبابيش، عام1983م. في ولاية شمال دارفور.
ـ النزاع بين الفلاتة والقمر، عام 1983م. في ولاية جنوب دارفور.
ـ النزاع بين الفلاتة والمراريت، عام1986م. في ولاية جنوب دارفور.
ـ النزاع بين الرزيقات والدينكا، عام1986م. في ولاية جنوب دارفور.
ـ النزاع بين الفور وبعض القبائل العربية، علم1987م. في جميع ولايات دارفور.
ـ النزاع بين الزغاوة والقمر، عام1988م. في ولاية شمال وغرب دارفور.
ـ النزاع بين الزغاوة والمعاليا، عام1990م. في ولاية جنوب دارفور.
ـ النزاع بين الزغاوة والرزيقات الشمالية، عام1999م. في ولاية جنوب دارفور.
ـ النزاع بين التعايشة والقمر، عام 1990م. في ولاية جنوب دارفور.
ـ النزاع بين الزغاوة والمراريت، عام1991م. في ولاية جنوب دارفور.
ـ النزاع بين الميما والزغاوة، عام 1991م. في ولاية جنوب دارفور.
ـ النزاع بين الزغاوة والبرقو، عام 1991م. في ولاية جنوب دارفور.
ـ النزاع بين الترجم والفور، عام 1991م. في ولاية جنوب دارفور[10].

الملاحظات الجديرة بالاهتمام من خلال استعراض النزاعات القبيلة في إقليم دارفور:
إن النزاعات والصراعات قد تقارب وقوعها وازدادت وتيرتها منذ أوائل الثمانينيات. وقد كانت ولاية جنوب دارفور أكثرأنحاء الإقليم عرضة للنزاعات.
وفي السياق ذاته وجد الباحث سليمان محمد من خلال دراسته للنزاعات في إقليم دارفور أن هناك علاقة تبادلية بين معدلات هطول الأمطار وبين النزاعات القبلية، وتوصل إلى أن النزاعات والصراعات تكثر وتزداد كلما كانت معدلات الأمطار متدينة أو دون المتوسط[11]. وهكذا نصل في إطار تعرضنا للعوامل الطبيعية والمناخية كمقدمة لانفجارالأوضاع في دارفورإلى أن موجات الجفاف والتصحر التي ضربت الإقليم وبخاصة تلك التي وقعت في أواخر سبعينات القرن المنصرم أدت إلى إلحاق أضرار واسعة في ما يتصل بالمعاش اليومي للسكان المحليين الذين تردت أوضاعهم بصورة ملحوظة. فقد نفقت القطعان، ولم تعد الأراضي المحدودة التي لم تتضرر بتلك الموجات تفي باحتياجات الناس بعد أن أصاب الجدب والمحل أجزاء واسعة من المناطق التي كانت تتركزحولها النشاطات الاقتصادية التقليدية. فترتب على ذلك أمران أولهما:أن القبائل الرعوية هجرت مناطقها المتعارف عليها ظاعنة إلى مناطق أخرى أفضل من التي اضطرت لتركها دون تنسيق مسبق مع القبائل التي تقيم وتتعايش على هذه الأراضي وهي صاحبة الحق عليها، وقد أدى ذلك إلى نزاعات بين المقيمين والقادمين.

أما الأمر الثاني: فإن فريقاً من الذين استسهلوا النهب تحت وطاة الحاجة وشظف العيش عمدوا إلى قطع الطرق على الشاحنات التجارية ومركبات المسافرين القادمة أو العابرة لدارفور. وقد تمخض عن هذا الأمر ما عرف لاحقاً بظاهرة النهب المسلح التي شكلت صداعاً مستمراً للحكومة المركزية والحكومات الولائية، ولم تفلح في تحجيمها أو الخروج منها.
وإذا ذهبنا إلى الاستئناس بآراء ابن خلدون في ما يتصل بظاهرة الصراع بين سكان البوادي نجده ينتهي إلى نتيجة تتطابق إلى حد بعيد مع طبيعة النزاعات والصراعات في إقليم دارفور، فهو يؤكد على أن العدوان والذي يجعل منها محفزاً يستنهض العصبية ويعلى من شأنها إنما يدور حول المعاش، بمعنى أن هذا النزاع ليس صراعاً بين الدماء المختلفة، ولا إلى مجرد الاعتزاز بالأنساب، بل هو نزاع من أجل البقاء والاستمرار. وإذا كان هذا الصراع بحسب رأي ابن خلدون لايبدو بشكل صريح أنه حول الموارد الشحيحة (اقتصادي)، وإنما يبدو في شكل صراعات بين الجماعات التي تنتسب إلى نسب معيّن، فهذا يرجع إلى طبيعة الظروف الاجتماعية الاقتصادية السائدة في المجتمعات البدوية[12].
وبهذا يمكن القول إن العوامل الطبيعية والمناخية قد لعبت أيضاً دوراً واضحاً لايمكن إغفاله في إشعال فتيل الأزمة في إقليم دارفور. ذلك أن خروج أعداد مقدرة من الرعاة والمزارعين من دائرة العمليات الإنتاحية بسبب الظروف الطبيعية والمناخية التي طرأت على الإقليم، وبشكل خاص في نهاية الثمانينيات، قد أوجدت المستحثات التي تثير الاضطرابات وعدم الاستقرار.

ثالثاً: العوامل الأمنية
تعد العوامل الأمنية من العوامل التي لعبت دوراً لاخلاف عليه في تأجيج الأوضاع وانفلاتها في دارفور، ذلك أن إقليم دارفور قد تأثر وعانى كثيراً من الاضطرابات والمشاكل السياسية التي تحولت ضمن دورة تطورها إلى اختلالات أمنية كبيرة في الدول المجاورة لهذا الإقليم من الناحية الغربية. وكنا قد ذكرنا ضمن حديثنا عن العوامل الجغرافية أن إقليم دارفور متاخم لثلاث دول لا تفصلها عنه موانع طبيعية تضبط أو تساعد في السيطرة على تنظيم حركة الانتقال عبر الحدود.
ويعتبر السلاح المنتشر في دارفورـ وبكميات كبيرة ـ الثمرة الطبيعية للحرب الأهلية في تشاد، وفي أفريقيا الوسطى، وفي الكونغو، والحرب الليبية/ التشادية حيث كان المحاربون يدخلون إلى دارفور للاحتماء أوالانطلاق منها، وراحوا يبيعون أسلحتهم للسكان المحليين في سبيل الحصول على احتياجاتهم الضرورية، وتبعاً لذلك بدأت تروج تجارة الأسلحة بمختلف أنواعها وأشكالها في ظل غياب جهود الأجهزة الأمنية المختصة للتعامل مع هذه الظاهرة.
وقد توافق انتشار السلاح في دارفور مع بداية موجات الجفاف والتصحر التي ضربت المنطقة. وفي هذا الصدد يمكن القول بأن استشراء ظاهرة النهب المسلح، وبروز الجماعات المسلحة المنفلتة عن سيطرة القبائل والسلطات الحكومية والتي تطور منها مايعرف اليوم بـ((الجنجويد))، يرجع أولاً وقبل كل شيء إلى الاختلالات الأمنية التي وقعت في الجوار الإقليمي لدارفور.
وقد بدأت طلائع عصابات النهب المسلح في الظهور على خلفية فشل حركة تموز/ يوليو المسلحة ضد نظام النميري، والتي قادها أتباع حزب الأمة من الذين تلقوا تدريباً في الخارج، وبعد فشل المحاولة هربت مجموعة منهم يقدر عددها بثلاثمائة فرد لتستفر في مدن دارفور، واتجهت نحو ممارسة النهب المسلح. وكان الهجوم على سوق كورو في كانون الثاني/ يناير1979م النشاط الأول للنهب المسلح[13].
كما أن الحكومة المركزية هي الأخرى أسهمت في إذكاء هذه الظاهرة بضخ السلاح إلى دارفور من خلال قيامها بتسليح بعض القبائل بهدف منع تغلغل متمردي حركة تحرير السودان التي يتزعمها قرنق في المنطقة ولحماية السكان ضد النهب والسرقات التي يتعرضون لها من وقت لأخر. ولايفوتنا أن نشير إلى أن الحرب في جنوب السودان كانت مصدراً آخر لتدفق السلاح إلى مناطق دارفور القريبة من مسارح العمليات،يضاف إلى ذلك أن وجود دارفور بالقرب من هذه الحرب المستمرة لأكثر من عشرين عاماً كان في حد ذاته كفيلاً بأن يشيع التوتر والاضطراب في أنحاء الإقليم. إن تصاعد أحداث دارفور أوصلها حد التأزم الراهن و الشق الأمني الذي تطرقنا أليه كواحد من العوامل التي أدت إلى نشوء وتفاقم الأوضاع لم يكن وليد اليوم بالطبع، فقد امتدت ظاهرة النهب المسلح قي إقليم دارفور لسنوات طويلة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى انتشار السلاح ورواج تجارته. وفي هذا دليل على تقصير الحكومات المركزية المتعاقبة على الحكم في السودان والتي عاصرت هذه الظواهر ولم تبذل الجهود المطلوبة لتصحيح الأوضاع وتفادي المضاعفات المحتلة التي قد تنشأعنها مستقبلاً.
ومن الواضح أن ظاهرة النهب المسلح قد صارت كغطأ لممارسة نشاط سياسي خفي تمخض عنه بروز(( العدل والمساواة))و(( تحرير السودان)) اللتان استفادتا من الأوضاع الأمنية المضطربة في دارفور.

رابعاً: العوامل السياسية
تمثل العوامل السياسية بعداً أخر ضمن المكونات العامة لأزمة دارفور، وكمدخل لمناقشة هذه العوامل يجدر بنا الوقوف قليلاً أمام التاريخ السياسي لمنطقة دارفور، وذلك باعتبار أنه سيهيئ لنا إمكانية الخروج بتعليمات إجمالية تعين على تفسير الواقع وفهمه.
قام في دارفور مجتمع سياسي منظم منذ عهد بعيد، حيث نشأت مملكة مستقلة في القرن الثامن الميلادي الموافق للعام1440هـ، وكانت مملكة إسلامية عرفت بحرص أهلها على كساء الكعبة الشريفة كل عام، وبطرقها الآمنة بحجاج بيت الله القادمين من غرب أفريقيا، كما أن منطقة دارفور كانت تعتبر مكاناً جذاباًًًً للهجرات، إذا أنها ذات طبيعة سهلية منبسطة تتوافر فيها المقومات المثالية لممارسة حرفتي الزراعة والرعي، إلى جانب الازدهار التجاري الذي جعل أسواقها نشطة متحركة.
وكان نهج الحكم الناشئ في دارفور يعتمد على الأعراف المحلية السائدة بين القبائل والتعاليم الإسلامية في إقامة العدالة الاجتماعية وحماية الأفراد. وقد تطورت هذه المصادر إلى أن تبلور عنها قانون دالي الذي كان هدفه المجتمع المحلي وشؤون الحكم. ومن أبرز سمات هذا القانون أنه سعى إلى تنظيم نسق الحكم بجعله وراثياً، كما أنه أقرّ القصاص والدية، والغرامة للسارق والزاني، والجلد لشاربي الخمر[14]. وأيضاً نجد أن مجتمع دارفور والذي سبق أن أشرنا إلى أن النزاعات تعد من الظواهر المتكررة فيه، قد أفلح في تطوير آلية(( الجودية)) التي تبسيطاً لشرحها نقول إن مماثلتها في الاصطلاحات المعاصرة هو "الوسطاء"، وهي كيان طوعي يقوم بالعمل على الحد من النزاعات واحتوائها قبل استفحالها وتحولها إلى حرب واسعة. وتتكون الجودية من زعماء القبائل ورجال الدين والشيوخ من أهل الحل العقد، وكلمتهم مسموعة ومطاعة من قبل المجتمع.
هذا ويمكن القول بأن دارفور قد تطورت إلى حد كبير خارج إطار الدولة السودانية التي بدأت تتبلور بعد الاحتلال التركي المصري(1821ـ 1885م). فكانت دارفور بعيدة عن الدولة الناشئة، وامتد ذلك حتى حل الاستعمار البريطاني الذي لم تخضع له دارفور إلا في عام1916م.
إن النسق السياسي الاجتماعي الذي عرفت به دارفور منذ قديم الزمان، والذي عرف لاحقاً بنظام الإدارة الأهلية كان النظام الذي عوّلت عليه الحكومات المركزية المتعاقبة على حكم السودان منذ عام1916م حين خضعت دارفور لهيمنة الحكم الاستعماري تحت التاج البريطاني. وحتى بعد خروج الاستعمارمن السودان عم1956م مضت الحكومة الوطنية في الاتجاه نفسه بالاعتماد على الإدارة الأهلية في تسيير الشؤون العامة في منطقة دارفور إلى أن جرى تقويض هذا التنسيق حين قامت حكومة أيار/ مايو بقيادة الرئيس جعفر النميري بحل الإدارة الأهلية في عام1971م.
لقد كانت الإدارة الأهلية في دارفور الراعي الأول للقيم الأخلاقية والجتماعية، للمجتمع[15]. ولذلك نجد أن هناك اتفاقاً كبيراً جداً على أن الإدارة الإهلية لعبت دوراً مهمة في عموم دارفور[16]، ذلك المجتمع الذي يتألف من 100قبيلة بعضها ينحدر من أصول عربية والبعض الآخر من أصول أفريقية تنتشر في مساحة واسعة تتقاطع فيها الدوائر النشاطات الاقتصادية وتتداخل بعضهامع بعض. فكانت الإدارة الأهلية أداة تنظيمية فاعلة أسهمت في الأستقرار. فكانت هي التي ترعى الاتصالات بين الزعامات لتنسيق هجرات القبائل المتأثر بالظروف الطبيعية والقبائل الأخرى التي يمكن أن تستقل وفادهم [17]. وبذلك فقد كان قرار حل الإدارة الاهلية ضربة موجعة لنمط التنظيم السياسي والإجتماعي السائد في منطقة دارفور. وبخاصة وكما ذكرنا أن مساحة إقليم دارفور تماثل مساحة فرنسا، وهذه المساحة ـ زائداً بعدها عن مركز السلطة في الخرطوم ـ لم تنتج إمكانية بسط سلطة الدولة بالكامل في أنحاء المنطقة.
وبعد أن قامت حكومة النميري بحل الإدارة الأهلية بدأت في تطبيق نظام الحكم الإقليمي الذي لازمت تطبيقاته عيوب كثيرة، ولذلك لم يمكن الحكم الإقليمي البديل المناسب من جهة الاضطلاع بالأدوار نفسها التي كانت تقوم بها الإدارة اللأهلية في الماضي بكفاءة عالية، بل إننا نجد أن الحكم الإقليمي استنهض للحصول والهيمنة على المناصب القيادية وانتخابات مجلس الشعب الإقليمي على أساس قبلي محض. ولم تتغير الأمور كثيراً خلال عهد الإنقاذ التي أعلنت نظام الحكم الفدرالي في عام1994م. وربما تدهورت الأوضاع أكثر بسبب تكوين القوات شبه النظامية في إطار الدفاع الشعبي أو الشرطة الشعبية التي حادت في ما بعد عن أهدافها وصارت جزءاً من الصراعات. وهكذا استشرت النزاعات القبلية وزادت وتيرتها في ظل الفراغ الذي أحدثه قرار حل الإدارة الأهلية، ثم بعد ذلك اهتدى إلى نظام مؤتمرات الصلح كآلية مستحدثة هدفها احتواء النزاعات المحلية.
لقد شهدت دارفور منذ حل الإدارة الأهلية عدداً من مؤتمرات الصلح، إلا أن نسبة النجاحات التي حققتها هذه المؤتمرات كانت محدودة جداً. وفي مؤتمر الأمن الشامل والتعايش السلمي لولايات دارفور جرى نقاش مستفيض حول أسباب فشل مؤتمرات الصلح كآلية لحل النزاعات القبيلة في المنطقة. وقد خلص المؤتمر إلى نتائج مهمة كان أبرزها: أن مقررات مؤتمرات الصلح التي انعقدت لم تكن متفقة مع الأعراف القبلية، كما أن هذه المقررات لاتصل في كثير من الأحيان إلى الأطراف المتنازعة على مستويات قواعدها[18].
ولاتفارقها الإشارة أيضاً إلى حركة الاستقطاب الحزبي التي وقعت خلال عهد الديمقراطية الثالثة أيضاً في السودان (1986ـ 1989) إبان حكم الصادق المهدي، حيث عمد الحزبان الكبيران: حزب الأمة الذي يعتمد إلى حد كبير في عضويته على طائفة أنصار المهدي، الذي تعد منطقة غرب السودان عموماً قاعدتها الأساسية، والحزب الاتحادي الديموقراطي الذي يمثل طائفة الختمية بقيادة السيد محمد عثمان الميرغني إلى استقطاب قبائل دارفور كلّ إلى جانبه. ففي حين تركز نشاط حزب الأمة على القبائل العربية، ونشاط الحزب الاتحادي الديمقراطي وسط القبائل الأفريقية. وهناك جدل كبير بين المنشغلين بالسياسة السودانية حول طبيعة الاستقطاب الذي تم في هذه الفترة نفضل تجاوزه مع تثبت ملاحظة مهمة، وهي أن الحزبين الكبيرين أسهما في تأجيج النعرات بين قبائل دارفور والتي كان من ضمن نتائجها زيادة حدة التوترات التي بدأت تتصاعد في الاقليم.
من السرد الوصفي السابق نخلص إلى أن منطقة دارفور ابتعدت عن دائرة السلطة المركزية جغرافياً وسياسياً،وبما أنها تطورت بمعزل عن الدولة السودانية الحديثة صارت منطقة ذات وضع خاص سواء من الناحية الاجتماعية أومن الناحية السياسة، وهو الأمر الذي لم تستوعبه الحكومات الوطنية التي تعاقبت على الحكم. ويتضح هذا الأمر من خلال محاولات دمج دارفور في مجتمع الدولة بقرارات غير مدروسة كقرار فض الإدارة في عموم البلاد دون مراعاة للأنساق القائمة منذ عهود طويلة كتلك الموجودة في دارفور.
وإذا انتقلنا إلى تلسيط الضوء على الأحداث التي تشهدها دارفور حالياً والتي ارتقت إلى حد توصيفها بالأزمة، نجد أنها بدأت في وقت مبكر من العام 2003م، حيث قام متمردو دارفور بمهاجمة مطار الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور .
وكانت محصلة هذا الهجوم قتل عدد كبير من أفراد القوات الحكومية وتدمير الطائرات الموجودة إلى جانب العديد من الأضرار الأخرى. لقد اختلف الصرع هذه المرة عن الصراعات أو النزاعات السابقة من جهة اتساعه واستفحاله واتخاذه طابعاً شبه منظم ليس خارج سيطرة الحكومة المركزية والحكومات الولائية فحسب بل متمرداً عليها.اتخذ من جبل مرة قاعدة تدار منها النشاطات المسلحة التي تقوم بها حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، يتزعم الأولى عبد الواحد محمد نور والثانية خليل إبراهيم الذي كان من معاوني الدكتور حسن الترابي . وقد اعتبرت حكومة الخرطوم أن حركة العدل والمساواة، تمثل الجناح العسكري لحزب المؤتمر الشعبي الذي انشق من الحزب الحاكم ويقوده الترابي، وذلك بالأستناد إلى أن معظم قيادات هذه الحركة هم نشطاء في حزب الترابي المنشق .
والجدير بالذكر أن الحزب الحاكم شهد خلافات داخلية حادة في ما يتعلق بحسم مسألة تعدد مرجعيات اتخاذ القرارات في الدولة، والذي حسمه البشير لصالحه في الرابع من رمضان 1999 م، وقد أفضى ذلك إلى انسلاخ الترابي، ومن ثم بدأ ممارسة نشاط معارض للحكومة أدى به إلى الاعتقال .
ونجد أن الجهات الرسمية في السودان تتهم حزب الترابي بالتورط في تأجيج أزمة دارفور،إضافة إلى تأكيد تورط حركة العدل والمساواة وحزب الترابي في المحاولتين التخريبيتين اللتين كشفتها الأجهزة الأمنية مؤخراً وضبطت على إثرها كمية كبيرة من الاسلحة المختلفة التي أعلن أنها كانت ستستعمل في عمليات لتغير النظام الحاكم. وفي السابق ذاته لم تنف حركة العدل والمساواة بدورها في ما يتعلق بالمحاولة التخريبية الأخيرة ارتباطها بحزب الترابي.
فقد صرح خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة أنه لاينفي هذا الاتهام أو يؤكده، وأعلن أنه مجرد بداية وأنهم قادرون على ضرب الحكومة داخل الخرطوم .واعتبر ذلك بمثابة إنذار أخير للحكومة لحملها على المضي في الحوار الجاد من أجل السلام الشامل[19].وكان ذلك على خليفة انهيار المحادثات في اثيوبيا وأبوجا الأولى. وكذلك نخلص إلى أن الانشقاق الداخلي في التنظيم الحاكم والذي أدى إلى انسلاخ الترابي وجماعته، وفي إطار المكايدات السياسية الهادفة إلى إضعاف الحكومة، قد ألقى بظلاله على أوضاع دارفور .
ومن خلال مجريات أحداث دارفور وضح أن الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق تسعى لاستثمار هذه الأزمة بتوظيفها لكسب مزيد من التنازلات قبل انطلاق جولة المفاوضات النهائية المترقبة مع الحكومة السودانية قبل نهاية العام الحالي التي من المتوقع أن تنتهي الحرب في جنوب السودان[20]. وفي هذا الخصوص قام النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه بتوجيه انتقادات شديدة اللهجة لقرنق في بداية الجولة التفاوضية الأخيرة في شهر تشرين الأول أكتوبر 2004 م في ما يتعلق بمواقفه من الأحداث الجارية والمتمثلة في دعمه لمتمردي دارفور، وقيامه بجولات لعدد من الدول الأفريقية والغربية كرسها لتأليب قادة هذه الدول ضد السودان، وأيضاً دوره في إفشال المفاوضات بين الحكومة ومتمردي دارفور من خلال وجوده في أبوجا الذي خلق جواً غير مواتٍ أفضى إلى انهيار المحادثات [21] .
لقد بدأت مساعي حركة قرنق ( الحركة الشعبية لتحرير السودان) لإضعاف الحكومة من خلال توسيع نطاق العمليات العسكرية بالتحاف مع داؤود يحيى بولاد في عام 1991 م أحد أبناء دارفور . وبعد مقتل بولاد تواصلت محاولات حركة قرنق لعقد تحالف مؤثرة مع أبناء المنطقة لتحقيق استراتيجية إضعاف الحكومة .
كما أنه ساعد في إفساح منابر مهمة أمام خليل إبراهيم زعيم العدل والمساواة الموجودة في ألمانيا لإسماع صوت حركته للعالم . يضاف إلى ذلك أن حركة قرنق تقوم بدعم متمردي دارفور بالعتاد والسلاح، وقد رصدت طائرة تابعة للحركة في 21 آذار / مارس من عام 2004 تهبط في قمة جبل مرة حيث القاعدة الأساسية لمتمردي دارفور من منطقة بحر الجبل[22].
ومن خلال تعرضنا للعوامل السياسية كجزء من المكون العام لأزمة دارفور نجد أنفسنا أمام العديد من النتائج والعبر، ونشاطات هذا التمرد مما هو إنعكاس مباشر للواقع السياسي العام في البلاد، ونشاطات هذا التمرد إنما هي نوع من الرفض لهذا الواقع الذي لايبالي بالطموحات أو يحقق المصالح . صحيح أن نشوء حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان شابته الشوائب بالاستناد إلى عدم وجود أهداف واضحة ومعلنة لكلا الحركتين، فضلاً عن ارتباطهما بمخابرات أجنبية، ولكن الصحيح أيضاً أن المتمردين سواء اتخذا جبة إثنية أو جهورية أو طائفية وغير ذلك،لايمكن أن ينمو ويترعرع إلا في ظل وجود مظالم إجتماعية أو دينية أو ثقافية أو سياسية تغذيه وتعطيه مبررات الأستمرار.
ونعتقد أن غياب التنمية في جوانبها المختلفة يشكل سبباً كافياً لوجود الاحتقانات ليس في دارفور فحسب بل في مناطق السودان الأخرى التي لم تنل الحظ الكافي من التنمية .

خامساً: العوامل الخارجية
إن أزمة دارفور تعد من الأزمات المعقدة من جهة تشابك العوامل التي أسهمت في التمهيد لنشوئها من خلال تفاعلها بعضها مع بعض حتى أصبحت قيد الإنفجار إلى أن جاءت العوامل الخارجية ودخلت في التفاعل مع العوامل الخارجية التي شكلت البعد الأكثر خطورة في الأزمة على الإطلاق، وهي مرتبطة بجوانب جيوستراتيجية، وباطمأع القوى الكبرى، والصراع الدولي على النفوذ وبسط الهيمنة، ومصالح الولايات المتحدة واستراتيجيتها الجديدة نحو الشرق الأوسط.
وقبل التعرض إلى العوامل الخارجية يتوجب علينا الإشارة إلى المميزات التي تتمتع بها منطقة دارفور،وهي:
_ سكان دارفور يدينون بالإسلام 100 بالمائة،وهذا النسيج تتجلى فيه مظاهر قوة تأثير الثقافة العربية الإسلامية بوضوح. فعلىالرغم من اختلاف السكان وعلى الرغم من انتشارهم في مناطق مساحة واسعة،وعلى الرغم من ضعف وسائل الاتصال والمواصلات ، فقد انتشرت هذه الثقافة واصبحت هي السائدة في المنطقة. وبذلك فإن دارفور المعروفة بحفظة كتاب الله والمشايخ (والخلاوى)[23] تمثل جسراً للتواصل بين الجزء الغربي من القارة السمراء مع الوطن العربي .
ـ يتمتع إقليم دارفور بثروات ضخمة ومتنوعة أهما: الثروة الحيوانية، الصمغ العربي، السمسم، الكركدي..الخ إضافة إلى ذلك فإن الإقليم يذخر بثروات معدنية هائلة متمثلة في جبال الحديد التي تصل درجة نقائها إلى 80 بالمئة،وايضاًالنحاس الذي يوجد في حفرة النحاس الواقعة بالقرب من حدود دولة أفريقيا الوسطى [24] . ثم اليورانيوم الذي صار الحافز الأكبر للصراعات الدولية المعاصرة .
ـ يمثل إقليم دارفور أهمية جيوستراتيجية كبيرة إذ إنه يعتبر منطقة عازلة بين النفوذ الفرنسي والأنكلوساكسوني .فالقارة الأفريقية عموماً منسقة بين هذين النفوذين منذ أن عرفت هذه القارة الهجمات الاستعمارية المنظمة في القرن التاسع عشر، حيث صارت من المناطق التي تتسابق إليها الدول الاستعمارية للسيطرة عليها.
يتمتع إقليم دارفور بمساحة شاسعة تبلغ 549ألف مربع وأرض الإقليم منبسطة وهذه المساحة الشاسعة تثير اهتمام العديد من الدول التي تطمع في التوسع.
وبسبب هذه الميزات فإن إقليم دارفور من المرجح أن يستمر مسرحاً للصراع والاهتمام الإقليمي والعالمي لما تمثله من عناصر جاذبة للدول الكبرى .
ولذلك يجب أن لا نستغرب الهجمة الكبيرة والتدفق الهائل للمال والسلاح والاستنفار الإقليمي الدولي والدبلوماسي بصورة لم يشهدها أي نزاع محلي في العالم من قبل [25] . إن من الخطأ الاعتقاد أن الضغوط الدولية الحثيثة التي نشهدها الآن هدفها فقط احتواء الأوضاع الانسانية الحرجة أو باحتواء الأوضاع في دارفور لأغرض إنسانية صرفة، فأين كانت عندما وقعت المجازر في رواندا التي بلغ عدد الضحايا فيها 800 ألف إنسان؟ وأين هذه القوى من الممارسات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني الذي تهدم بيوته وتجرف أرضه ويحاصر زعيم سلطته الشرعية منذ2001م حتى وفاته في 2004م وتصفى قياداته علنا ًوتمارس عليه جرائم الإبادة الجماعية على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي ؟ وأين هذه القوى مما يدور حالياً في مدن العراق المختلفة؟ ثم أين هذه القوى من الالتزامات التي تعهدت بها كإسهامات لتخفيف معاناة المتأثرين بهذه الأزمة من أهالي دارفور؟
ومن الملاحظات المهمة التي يجب أن تثار ونحن بصدد تناول العوامل الخارجية التي ساهمت مع غيرها في إزكاء هذه الأزمة، أن الإدارة الأمريكة الحالية سعت إلى انتهاج سياسة مغايرة لتلك التي تبنتها إدارة كلينتون تجاه السودان، وبرز ذلك من خلال الدور الكبير في محادثات السلام بين الحكومة والمتمردين في جنوب السودان تحت مظلة الإيقاد التي كللت بالتوقيع على اتفاق نيفاشا. ولكن ما أن بدأت ملامح السلام تلوح في أفق السياسةالسودانية ومع انطلاق الشرارة الأولى لمشكلة دارفور حتى تحولت سياسة إدارة بوش نحو السودان تحولاً كبيراً أقل ما يمكن أن توصف به أنها تسعى لصب الزيت على النار.وقد بدأ فريق كبير من المتابعين للعلاقات السودانية ـ الأمريكية يعتقد أن هذه العلاقات ستزداد تطوراً بحسبان أن الجانب السوداني أوفى بما هو مطلوب منه في الحملة الدولية ضد الإرهاب، إلى جانب التحسن النسبي الذي طرأعلى ملف الحريات العامة في الداخل، والذي رافقته جدية النظام في التفاوض مع جون قرنق لوضع حد لحرب الجنوب [26] . إلاأن تداعيات أزمة دارفور تشير إلى غير ذلك، حيث عملت الإدارة الأمريكية على تأليب المجتمع الدولي ضد السودان مستنفرة امكاناتها الإعلامية والدبلوماسية لهذه الغرض، وراحت تشجع وتدعم المتمردين سياسياً ومعنوياً.وقد كانت تصريحات باول المتصلة بهذه الأزمة تنطوي على إشارات سالبة أثناء جولات التفاوض في أبواجا دفعت المتمردين إلى التعنت والتمسك بمواقف متصلبة تسببت في انهيار المفاوضات أخيراً ويذهب البعض في محاولة تفسير هذا التحول في السياسة الأمريكية إلى أن حرب الجنوب قد بلغت مرحلة توازن القوة أوتوازن الضعف،بحيث إن معطياتها ما عادت تؤهلها على الاستمرار أكثر من ذلك، وإلا نتجت عنها عواقب قد تؤدي إلى تفتيت المقومات التي تعتمد عليها. فكان لابد من تسكين الأوضاع في الجنوب والانتقال إلى الغرب لتكون دارفور البديل في هذه المرحلة من خلال أدوات جديدة ومتطورة.
إلا أننا نعتقد وبشدة أن تحول السياسة الأمريكية وميلها إلى ممارسة صنوف من الضغوطات على الخرطوم من خلال هذه الأزمة مرتبطة بنوعين من الأهداف الأولى بعيدة المدى و الثانية آنية . الأهداف البعيدة المدى تدخل ضمن سياسة التفكيك وإعادة التركيب في إطار استرتيجية الشرق الأوسط الجديد، كما تدخل ايضاً ضمن مصالح اقتصادية مرتبطة بالنفط. إذ انضمت كل من السودان وتشاد لنادي المنتجين,في ظل استثمارات أمريكية في القطاع تصل إللى خمسة مليار دولار في تشاد وسيعها لإنشاء خط أنابيب ( دوبا) التشادية الذي سيربط بخط آخر قادم من مدينة ينبع السعودية ويمر عبر دارفور.
أما الأهداف القريبة المدى أو الآنية فهي ذات ارتباط وثيق بحمى الانتخابات وهذا الزعم تؤيده حالة الانفراج النسبي الحالية التي طرأت على الأزمة فور انتهاء الانتخابات وإعلان فوز بوش بفترة رئاسة ثانية، والتي بعدها صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1574 الذي اعتبر إيجابياً لخلوه من التهديدات والضغوط. فنجد أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي خلال حملتهما حاولا استغلال أزمة دارفور وتوظيفها لكسب أصوات الأمريكيين السودانين صورت لهم أحداث هذه الأزمة على أنها صراع بين القبائل العربية المدعومة من الحكومة مع القبائل الأفريقية . وهذا هو الأساس الذي يمكن أن تستند إليه في تفسير دوافع صدور قرار الكونغرس الأمريكي الذي كان قد وصف أحداث دارفور بعمليات الإبادة الجماعية، وكذلك مطالبة كتلة السود في أروقة الكونغرس الرئيس بوش بالعمل على استصدار قرار قوى من مجلس الأمن الدولي يخول تكوين قوة متعددة الجنسيات لوقف ما اعتبروه فظاعات ترتكب ضد المدنيين الأفارقة .
وفي السياق ذاته قام وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول في تموز / يوليو من العام الماضي بزيارة إلى السودان استهلها بالتهديد والوعيد فور وصوله إلى مطار الخرطوم مطالباً الحكومة السودانية بوقف هجمات الجنجويد، مما يوحي بأن هدف زيارته لم يكن الوقوف على الأوضاع والتعرف على الواقع عن كثب كما هو مفترض بقدر ما أنه جاء لطرح املاءات وإضافة المزيد من الضغط. ثم جاء دور الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان الذي لم يختلف موقفه كثيراً عن موقف كولن باول، فعقب زيارته للسودان في تموز / يوليو 2004 م كرر ما ذكره باول نفسه بأتهام ميليشيات الجنجويد التي قال إنها تقوم وبدعم من الحكومة بقتل آلاف الأفارقة من سكان الإقليم، وهدد بأن المجتمع الدولي لايمكن أن يكتفي بمشاهدة ما يدور من أعمال في ظل تقاعس السلطة السودانية عن توفير الحماية والأمن.
ولم يخب ظن المتابعين للسياسة الدولية في توني بلير رئيس الوزراء البريطاني من ناحية اتساق مواقفه مع توجهات السياسية الأمريكية. فقد صرح بأنه سيمضي في الضغط على الخرطوم من أجل منع أعمال الإبادة الجماعية في إقليم دارفور. وكان قائد الجيش البرطاني مايك جاكسون قد قد أعلن أن بلاده متأهبة لإرسال 5000 جندي إلى دارفور. وقام بلير بزيارة إلي السودان . في تشرين الأول /أكتوبر الماضي أعلن أنها من أجل إجراء محادثات مع السلطة السودانية . وكنا نتوقع أن تكون الزيارة بداية لحدوث اختراق إيجابي في الأزمة، وبخاصة أن للبريطانيين إلماماً كبيراً ومعرفة بالأجواء السياسية العامة في السودان أكثر من غيرهم، وذلك بحكم أن السودان خضع للاستعمار البريطاني لفترة امتدت لحوالي 60 عاماً عمل خلالها البريطانيون على تطوير أنماط إدارية وصيغ للحكم تعينهم على إحكام قبضتهم على جميع أنحاء السودان بما في ذلك منطقة دارفور التي أخضعوها لحكمهم بعد حوالي 20 عاماً من دخولهم لاحتلال السودان. يضاف إلى ذلك توفر الدراسات والبحوث الميدانية ووالوثائق وسير وأخبار القبائل والأعراق المرتبطة بالسودان التي تزخر بها المكتبات البريطانية المختلفة. ولذلك كان من المنتظر أن تكون هذه الزيارة نقطة تحول في مسار هذه الأزمة من خلال دور أخلاقية تجاه هذا البلد.
أما الأتحاد الأروبي فلم يخرج عن دائرة المغالطات والتناقضات التي اكتنفت تناول معظم القوى الغربية لهذه الأزمة، فهو أيضاً هدد في غير مناسبة بفرض عقوبات على السودان لتغافل السلطات السودانية عن الاوضاع الإنسانية الحرجة في الإقليم وتورطها في ما يتعرض له المدينون من أعمال، وكان آخرها تصريحات خافير سولانا رئيس مجلس العلاقات الخارجية بالإتحاد الأوربي الذي ذكر أنه لا يفكر بتوقيع عقوبات على السودان في الوقت الحالي أو يقوم بذلك دون مبرر[27].
هذا ويتحول ملف أزمة دارفور إلى مجلس الأمن الدولي الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دوراً كبيراً .
وقد أخذت الأمور تتعقد أكثر بالنسبة إلى الحكومة السودانية في ظل التوجس والمخاوف من فرض عقوبات دولية عليها . لقد كان قرار مجلس الأمن رقم 1556 الصادر في30 تموز / يوليو 2004م في هذه الأزمة بمثابة الإعلان الرسمي لتدويل قضية دارفور على الرغم من التعاون الذي أبدته الخرطوم مع الإتحاد الأفريقي في هذه القضية حرصاً منها على إبقائها في نطاقها الإقليمي والذي اضطرت إليه بعد فشلها في احتوائها محلياً. ثم جاء قرارمجلس الأمن رقم 1564الصادر في أيلول / سبتمبر 2004 م في هذه الأزمة بعد أن أدخلت على مسودته الأصلية التعديلات العديدة تماشياً مع المطالبات الأفريقة والعربية وموقف الصين التي أعلنت إمكانية استخدامها لحق الفيتو ضد أي مشروع قرار داخل مجلس الأمن تقوده الولايات المتحدة لفرض عقوبات على السودان تستهدف قطاع النفط الذي يشكل 40بالمئة من المزانية العامة للبلاد . وكما هو معروف أن الصين تملك استثمارات ضخمة في هذا القطاع، ولذلك جاء هذا القرار ليلبي الحد الأدنى من الضغوط التي تزمع الولايات المتحدة ممارساتها على السودان. وقد امتنع عن التصويت لصالح هذا القرار أربعة أعضاء من بينهم عضوان من أصحاب المقاعد الخمسة الدائمة العضوية هما الصين وروسيا إلى جانب الجزائروباكستان. من بين النتائج المهمة التي يمكن الخروج بها من خلال عرض هذه الأزمة أنه قد وضح وبشكل جلي أن الإعلام بات الساحة الأولى التي تدار منها المعركة الشرسة ضد البلاد العربية .
فقد أشرنا وبشكل صريح إلى أن النزاعات في إقليم دارفور ليست طارئاً جديداً بل هي ظاهرة متكررة في تاريخ المنطقة، إلا أن النزاع في الإقليم جرى تهويله وأخذ حجماً أكبر من حجمه بفعل الإعلام .
ولما تضافرت العوامل الخارجية مع العوامل الأخرى تفجرت القضية ووصلت أزمة دارفور مرحلة خروج حلها عن الأيدي سواء على المستوى المحلي في اطار الأعراف المحلية والآليات التقليدية المعروفة لدى مجتمع دارفور، أو على المستوى الوطني,إما في إطار مؤتمرات الصلح كآلية بديلة مكان الإدارة الأهلية في ما يتعلق بفض النزاعات، أو إطار المبادرة الفردية والجماعية التي يقوم بها المخلصون من أبناء السودان .
وهنالك جمهور عريض يرى أنه لو جردت أزمة دارفور من كل الطبول والمزامير العالمية التي ضربت حولها والتي لاصل لها بها فإنها ليست عصية على الحل[28] . وهكذا فإن أزمة إقليم دارفور ما هي إلا نزاع محلي بدأ محدوداً كغيره من النزاعات السابقة، لكنه انفلت وخرج عن سيطرة السلطات الحكومية بسبب التدخلات الخارجية والتي أدت إلى تفاقمه حتى تطور إلى تمرد ضد الحكومة المركزية والحكومات الولائية في إقليم دارفور تقوده حركتان، قويت شوكة إحدهما ( العدل والمساواة ) في ظل المكايد السياسية وصراع الأجنحة داخل التيار الحاكم المهيمن على السلطة بين المؤتمر الوطني الذي يقوده الرئيس عمر البشير وحزب المؤتمر الشعبي المنشق عنه ويقوده الترابي.
إن أزمة دارفور الحقيقية تمكن في محاولات تصوير هذه الأزمة وكأنها حرب إبادة جماعية تقوم بها المليشيات التابعة للقبائل العربية ( الجنجويد ) المدعومة من قبل الخرطوم ضد القبائل والمجموعات الموجودة في المنطقة، وهذا الأمر لا يتفق مع معطيات الواقع على الأرض. فلأهل دارفور قضية أخرى حقيقة وعادلة خلاف ذلك لابد من الاعترف بها والسعي لحلها. ونعود لنؤكد أن مشكلة دارفور في الأساس هي التنمية، فجوهر التنمية ينطوي على إمكانية الوصول إلى الموارد واستغلالها لتحقيق مستوى معيشي لائق، إلى جانب العديد من المسائل الحيوية الأخرى كتوسيع الخيارات أمام أفراد المجتمع ليكونوا أكثر قدرة على المشاركة في الحياة العامة وغير ذلك من المسائل الأخرى التي تدخل ضمن التنمية في جوانبها المختلفة [29] .وفي حقيقة الأمر إن ما يجري في إقليم دارفور الآن تقع مسؤوليته على عاتق جميع الأنظمة التي تعاقبت على السلطة في السودان، فهي لم تبذل الجهد المطلوب للنهوض بهذا إلى الإقليم وبأهله. ولذلك نرى أن المحادثات بين الحكومة السودانية ومتمردي دارفور مهما انتهت إلى نتائج إيجابية، ومهما بلغ سخاء المانحين في تقديم المنح والإعلانات العاجلة،ومهما حمل إلينا قرار مجلس الأمن الدولي الأخيرة رقم 1547 الصادر في العاصمة الكينية نيروبي في 19تشرين الثاني / نوفمبر 2004 م من آمال، فلن تستقر الأوضاع في دارفور في المدى المتوسط أو البعيد ما لم تتجه الجهود لإحداث تنمية حقيقية تقتلع مسببات التوتر التي جعلت دارفور منطقة قابلة للاشتعال، ومدخلاً لممارسة صنوف من الضغوطات تضيف عبئاً ثقيلاً على كاهل الدول ومعطيات السياسة الدولية الراهنة.

خلاصة :
على الرغم من أن الصراعات والنزاعات المحدودة من الظواهر المتكررة في دارفور، فقد كانت الأحداث الأخيرة التي بدأت تداعياتها في شباط / فيراير 2003م تحدياً كبيراً لأهل السودان بمختلف تواجهاتهم السياسية، حيث إنها تحولت إلى أزمة معقدة بفعل الهجمة الإعلامية الممنهجة والضغوط الدولية التي رافقتها. وكما رأينا فإن عدداً من العوامل ـ سواء الجغرافية والبشرية والطبيعية والمناخية والأمنية والسياسية ـ ظلت تلعب دوراً رئيسياً في تهيئة الظروف الملائمة لوقوع الاحتكاكات والصراعات المحدودة القابلة للاحتواء. وقد انفلتت الأحداث الأخيرة عن نطاق السيطرة بسبب دخول عوامل جديدة متمثلة في التداخلات الخارجية، والتي تفاعلت مع العوامل الأخرى فأنتجت هذه الأزمة.

------------
المراجع
[1] الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة الذي خصص للترتيبات الإقليمية
[2] ـ الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو الفصل الخاص بالإجراءات والتدابير التي تتخذ في حالة تهديد السلم، والإخلال به ، ووقوع العدوان.
[3] ـ اتصل الرئيس المصري مبارك بنظيره السوداني البشير للتفاكر حول احتواء الأحداث في في مطلع آب/ أغسطس 2004م، وسبق ذلك زيارة وزير الخارجية أبو الغيط للخرطوم في إطار إسهام الجانب المصري لاحتواء الأحداث، كما وافق الزعيم الليبي على طلب الرئيس النيجيري أوبا سانجو بتحريك المقاوضات بين الخرطوم وحركتي التمرد. وكذلك التأم مجلس وزراء الدول العربية في اجتماع طارئ في 7آب/ أغسطس 2004م بطلب من السودان بخصوص تداعيات أحداث دارفور، وخرج المجلس بنتائج إيجابية في هذا الصدد تمخض عنها قرار المجلس الذي صيغ في 15بنداً.
[4] المادة 33/1 من ميثاق الأمم المتحدة، وقد أقرت هذه المادة إمكانية اللجوء إلى الترتيبات الإقليمية كواحدة من بين مجموعة من السبل لالتماس الحلول السليمة للنزاعات في دائرة الإختصاص الجغرافي.
[5] ـ تعرف الإبادة الجماعية بأنها الإفناء الجماعي المقصود أو القتل المنظم لمجموعة متماثلة في الأصول القومية والعرقية. ونجد أن هناك عدداً من الجهات نفت وبشكل صريح وجود جريمة الإبادة الجماعية في دارفور، وهي جريمة دولية تستوجب تقديم الضالين فيها إلى محاكمات دولية. وقد نفى كل من الاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة أطباء بلا حدود، وبعض وكالات الأمم المتحدة وجود هذه الجريمة إلى جانب الإتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة على وجه الخصوص، والولايات المتحدة في بادية الأمر حتى خلال زيارة باول للسودان، إلى أن وصف الكونغرس تلك الأحداث بالإبادة الجماعية عقب صدور قرار مجلس الأمن رقم1556.
[6] ـ انظر ذلك وعلى سبيل المثال: عماد عواد(( أزمة دارفور: تعدد الأبعاد وتنوع الإشكاليات)) المستقبل العربي، السنة 27، العدد 308 ( تشرين الأول / أكتوبر 2004 ) ، ص 54. وفي حقيقة الأمر ينطوي اصطلاح الجنجويد على الجماعات المسلحة التي تتجول في أنحاء دارفور على ظهور الخيل والجمال وتنتمي إلى القبائل العربية وأيضاً القبائل الإفريقية.وأصل الكلمة: (( جن جاء على جواد)) والجنجويد هم جماعات تمارس النهب والقتل، وليس لها تنظيم معروف أو قائد يقودها أو قبيلة تحضنها.
[7] انظر: (( علاقات السودان بالشرق الأوسط وأفريقيا)) في: التقريرالسنوي2002 الخرطوم: مركز دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا.
[8]يلاحظ أن حديثنا عن العوامل الجغرافية والبشرية كمحفزات للتوتر والصراعات التي قادت إلى تفجر أزمة دارفور قد طال أبعاداً أخرى مختلفة فضلنا إيرادها كما تقدم.
[9] أحمد آدم بوش،((جدلية العلاقة بين العوامل البيئية والنزاعات في دارفور: ملف السلام(2))الملف الدولي (مركز دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا) (تشرين الثاني/ نوفمبرـ كانون الأول/ ديسمبر2003)
[10] ـ عثمان إبراهيم عبد الله، (( النزاعات في دارفور والرؤية المستقبلية: ملف السلام (2))الملف الدولي ( تشرين الثاني / نوفمبرـ كانون الأول، ديسمبر2003)، ص4
[11] ـ بوش المصدر نفسه ص12
[12] محمد عابد الجباري، فكر ابن خلدون: العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ
[13] محمود خالد الحاج [وآخرون]، دارفور: الحقيقة الغائبة( الخرطوم المركز السوداني للخدمات الصحفية2004)، ص67.
[14] فاطمة الأمين علي، (( دور الآلية التقليدية والجهود الرسمية في حل النزاعات القبلية في دارفور: ملف السلام(2)، الملف الدولي ( تشرين الثاني/ نوفمبرـ كانون الأول/ ديسمبر 2003)، ص27.
[15] فاروق جاتوكث، دور النظم الأهلية في شمال وجنوب السودا نفي بناء السلام والوحدة والوطنية)) الحياة25 /9/2004م.
[16] إبراهيم الأمين، (( القبلية وأثرهاعلى الاستقرار السياسي والمجتمعي في دارفور))ورقة قدمت إلى: ندوة مركز دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، قاعة الشهيد الزبير، الخرطوم، 11أيلول/ سبتمبر2004ص4.
[17] منى طه أيوب ((المواقع السياسية للصراع في دارفور : ملف السلام (2) )) الملف الدوري ( تشرين الثاني /نوفمبر ـ كانون الأول / ديسمبر 2003) ص . 11 .
[18] مؤتمر الأمن والتعايش السلمي في ولايات دارفور ، نيالا , السودان 17 ـ 22كانون الأول / ديسمبر/ 1997 .
[19] الحياة، 11/10/2004
[20] كتب هذا البحث قبل توقيع اتفاق السلام الأخير بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية
[21] الحياة 10/10/2004
[22] الرأي العام 9/10/2004
[23] مفردها خلوة .وهي المكان الذي يجري فيه تحفيظ القرآن وتدريس العلوم الدينية .
[24] المصدر نفسه.
[25] فاروق أحمد آدم،(أسباب ومآلات التدخل الدولي في دارفور)) ورقة قدمت إلى: ندوة مركز دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، ص01
[26] . كانت نتيجة هذا التفاوض اتفاق نيفاشا الموقع في 26أيار/ مايو 2004بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية، ويحتوي على ثلاثة بروتوكولات متعلقة بتقسيم السلطة الثورة ، ووضعية مناطق جبال النوبة والنيل الأزرق وأبيي.
[27] محمد سعيد محمد حسن ، (( دارفور بين الحل السوداني والأقليمي )) الرأي العام ، 13/10/2004م.
[28] مقررات اجتماع وزراء الخارجية العرب في 7آب/ أغسطس 2004 حيث تبني هذا الاجتماع الطارئ المنعقد بطلب من السودان قراراً من 15بنداً، تمحورت حول رفض أي تلويح بتدخل قسري في دارفور وتقديم العون اللازم لضمان عودة النازحين إلى مساكنهم بعيداً عمن أي ضغوط أو محاولات لرفض عقوبات على السودان، كما قرر المجلس بالإجماع دعم جهود الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة الرامية إلى إنهاء الإزمة . (31) محمد الحسن أحمد ((جولة حول أخطاء في دوائر متعددة )) الرأي العام 12/ 10/2004.
[29] برنامحج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية لعام 2001( نيويورك: البرنامج، 2001) ص 9.
* محمد الأمين النحّاس, باحث في العلوم السياسية ـ السودان.
دراسة قام بنشرها مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت, 2005.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق