الأربعاء، 28 يناير 2009

قبل أن تدخل مبادرات دارفور موسوعة غينيس للأرقام القياسية


النظام العالمي السائد وبمؤسساته القائمة وقوانينه الحاكمة للتفاعلات الدولية لم يفشل في التعاطي مع أزمة من الأزمات الدولية بالقدر الذى تشهده قضية دارفور. يحدث ذلك ومن المفترض أن تدويل قضية ما سيسهم في التعجيل بحلها على اعتبار الزخم والدفع والتسليط الإعلامي الكثيف الذى ينشأ عنه.
إن ملف دارفور يمكننا أن نعتبره وبلا تردد أسوأ أنموذج للقضايا التى جرى تدويلها على الإطلاق. لقد كان تدخل المجتمع الدولي وجميع المبادرات التى دس فيها أنفه هشة وتفتقر إلى أبسط درجة من درجات الحيدة والإنصاف, بما يوحي وكأنه يصر على أن يعاقب ويصفي حسابات قديمة مع أهل دارفور باعتبارهم أول المتضررين من إطالة أمد الأزمة واتساع رقعتها. يأتي ذلك في حين يسعى المجتمع الدولي عبر عدد من منظماته ووحداته السياسية إلى تقديم نفسه لأهلنا البسطاء هناك وكأنه المخلص لهم وأنه أحرص على سلامتهم من السلطة المركزية.
هناك عدد من الشواهد الدالة على ما يمكن أن نعتبره عدم جدية المجتمع الدولي في إنهاء الأزمة في دارفور من ذلك الإصرار على تحميل الحكومة وزر كل ما يجري واعتبارها مسؤولة عن تصعيد النزاع, وفي الجانب الآخر لا يوجد موقف يستحق الذكر من جانب المجتمع الدولي تجاه عدم جدية الحركات المتمردة في الدخول في مفاوضات جادة وبمطالب قابلة للتحقيق والعمل على توحيد هذه الحركات خلف مطالب محددة حتى يمكن أن يجري التفاوض من أجل ضمان الخروج بنتائج في خاتمة المطاف. إلى جانب الكف عن إرسال الرسائل الخاطئة التى تعيق الجهود الحكومية المبذولة لتحسين الأوضاع الإنسانية في الإقليم ولتهيئة الظروف السياسية المناسبة التى تكفل نجاح المفاوضات.
كما أن المجتمع الدولي ظل يدفع باتجاه الحد من حركة الحكومة وتقييدها فيما يتصل ببسط الأمن في أنحاء الإقليم وحماية المواطنين والممتلكات العامة. وهو الأمر الذي يتعارض مع أسس سيادة الدولة وحقها في بسط وممارسة سلطاتها. وهنا تشير التقارير إلى أن النشاطات الإجرامية للحركات المتمردة دفعت القوات المسلحة إلى تكثيف عملها في تمشيط ومراقبة الطرق والمسارات بولايات دارفور، وإلى مدى تأثير هذه الانتهاكات علي امن المواطن ووصول المساعدات الإنسانية لمن يحتاجون إليها.
وأفاد العميد الدكتور عثمان محمد الأغبش أنه بالنظر إلى الثلاثة أشهر الماضية وحتي شهر سبتمبر الجاري نجد انه في شهر يونيو الماضي تم رصد ثمانية عشر حادثة اعتداء تم فيها خطف 12 عربة ما بين كبيرة وصغيرة منها اثنان تتبعان لمنظمة أطباء بلا حدود وقوات اليوناميد وأربعة حوادث نصب كماين في مناطق مختلفة وعمليات تخريب في أسواق القرى.
وأبانت التقارير وقوع ثمانية حوادث كبيرة في شهر يوليو 2008 كان أهمها الكمين الذي نصبته حركة التحرير جناح الوحدة لقوة من اليوناميد راح ضحيته سبعة قتلي من أفراد القوة وثلاثة وعشرين جريحا وتم فيه تدمير مدرعة وعربتين وفقدان ثمانية عربات ليصبح عدد العربات المختطفة في هذا الشهر ستة عشر عربة اضافة إلى كمينين وعملية تخريب واحدة كما شهد هذا الشهر توقف بعض المنظمات الأجنبية ووكالات الأمم المتحدة عن العمل وتم إخلاء موظفيها.
وفي شهر أغسطس وقع ثلاثة عشر حادثا تمثلت في عملية تجنيد إجباري وثلاث عمليات تخريب وثلاث عمليات اختطاف سيارات بلغت اثنان وعشرون سيارة وعدد من العربات التجارية.
إلى جانب حدوث ثلاثة عمليات نصب كمين في أماكن مختلفة من ولايات دارفور وعمليتي نهب وعملية سطو بتاريخ 31/8/2008م تعرضت لها منظمة التضامن الفرنسية بمنطقة شعيرية الشئ الذي أدى الي أن تغادر المنظمة المنطقة.
أما في شهر سبتمبر 2008 فقد أوضحت التقارير وقوع حوادث مختلفة من اختطاف سيارات كبيرة تابعة لبرنامج الغذاء العالمي وثلاث سيارات تتبع لليوناميد وواحدة تتبع لمنظمة اليونسيف أما الحادث الرابع فهو عملية كمين في منطقة شعيرية راح ضحيته بعض أفراد القوات المسلحة.
يحدث ذلك والمجتع الدولي أبعد ما يكون عن اتخاذ التدابير أو الإجراءات الحاسمة تجاه هذه الأعمال ووضع حد لمماطلة الحركات المتمردة. نحن لم نعدم الحكمة ولا العقلاء, وما ينبغي علينا فعله التخلص من هذا الكم من المبادرات والمبتعثين.
وهنالك جمهور عريض يرى أنه لو جردت أزمة دارفور من كل الطبول والمزامير العالمية التي ضربت حولها والتي لا صلة لها بها فإنها ليست عصية على الحل. وهكذا فإن أزمة إقليم دارفور ما هي إلا نزاع محلي بدأ محدوداً كغيره من النزاعات السابقة، لكنه انفلت وخرج عن السيطرة كما ذكرنا هذا الأمر في دراسات سابقة بسبب التدخلات الخارجية والتي أدت إلى تفاقمه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق